يتجه المشهد السياسي في الشرق الأوسط مع العام 2024 إلى مزيد من المواجهات والتصعيد، وليس التهدئة أو الاستقرار، حيث من الملاحظ أن الصراعات في الإقليم ما تزال قائمة، ولا توجد في الأفق ما يشير إلى قرب التوصل لحلول حقيقية مثلما هو الجاري في الأزمة في قطاع غزة، وتجمد المشهد في رام الله، وعدم حدوث تغييرات مفصلية فيما يجري في ظل استمرار المواجهات في القطاع، وتصميم إسرائيل على إنهاء حكم حركة «حماس»، واستبداله بحكم رمزي فلسطيني، وإعادة تهيئة الأجواء في الضفة، والاتجاه إلى إجراء انتخابات لاحقاً، وإن كان هذا سيكون مؤجلاً إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وحسم الصراع الراهن داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ على ما يجري من دور في دعم إسرائيل، كما أن إسرائيل لن تشهد تغييرات جوهرية بالفعل في الفترة الراهنة، أو بعد وقف إطلاق النار، وإن تم سيتم من خلال تغييرات في بنية الحكومة الراهنة، ومكونات ائتلافها في المقام الأول، وإدخال المعارضة.
وفي اتجاه آخر ستبقى المسألة الليبية تراوح موقعها في الفترة المقبلة لاعتبارات تتعلق بعدم توافر الإرادة السياسية للتوصل لحل حقيقي، وفي ظل صراع أطراف الشرق والغرب على الأولويات، وفشل المبعوث الأممي عبد الله باتيلي في تحريك المشهد، والدعوة إلى إجراء الانتخابات المؤجلة ما يؤكد أن الأمر سيمضي إلى خيارات صدامية لا مكان فيها لخيارات توافقية حقيقية يمكن العمل من خلالها، وفي ظل معطيات جدية تشكل، ومن خلال حل مقنع لكل الأطراف التي ما تزال تسعى لفرض أجندتها على الكل الليبي، وفي صراع على موارد الهلال النفطي، وغياب الطرف الدولي عن المشهد لانشغالات متعلقة بكل الأطراف الراهنة، كما سيبقى الوضع في السودان مرشحاً لمزيد من الاحتقان.
كما أن حالة عدم الاستقرار في البحر الأحمر تنذر بصدامات جديدة تتعلق بالوضع الراهن، وممارسات ميلشيات «الحوثي»، التي قد تفجر الاستقرار في الممرات البحرية ليس في البحر الأحمر، وإنما أيضاً في البحر المتوسط والمضايق العربية سواء في باب المندب، أو جبل طارق إضافة إلى الخليج العربي، مما يتطلب وضع سيناريوهات للتعامل تتجاوز تشكيل تحالفات أمنية جديدة قائمة في الإقليم كافية للتعامل إن أرادت الولايات المتحدة، كما أن السلوك الإيراني في حاجة لضبط، وبناء مقاربات للتوافق لا للصدام في ظل ما يجري من تحديات تتعلق بأمن الإقليم بأكمله، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار في الفترة المقبلة، خاصة وأن هناك قوى إقليمية مناوئة متربصة بالمشهد، وتسعى لتسجيل موقف معين، أو التدخل في ما يجري من تحركات راهنة أو متوقعة.
ومن ناحية أخرى، تأتي الحاجة إلى إعادة تأهيل مؤسسات النظام الإقليمي العربي، وهذه المسألة تحتاج في العام الجديد 2024 إلى إعادة تجديد وتطوير، وعلى رأس هذه المؤسسات الجامعة العربية، ومنظماتها الإقليمية خاصة مع الدعوة الدولية لإقرار نظام أمني شرق أوسطي بديلاً عن النظام العربي مع مواجهة التحديات الحذرة التي لا تريد بناء علاقات عربية- عربية في مواجهة مد الشرق الأوسط الجديد، والتي تعيد الولايات المتحدة تقديمه بصورة لافتة، مما سيتطلب الحذر في مواجهة ما يجري.
ومن المتوقع أن يشهد الشرق الأوسط كثيراً من التطورات المهمة، ولكنها لن تكون تطورات مفصلية، أو هيكلية مع الإقرار بالتعايش المنضبط للصراعات في الإقليم في مواجهة ما يجري من مخططات مع التوقع بتعثر بعض المشروعات الراهن والمطروحة في مجالات التعاون الإقليمي، والتي بدأ طرحها مؤخراً في إطار تغيير ملامح النظام الاستاتيكي الحالي، والقابل للتغير، أو التطور بصورة سلبية ما قد ينقل صورة لما يجري من تحولات خطرة.
ومن ثم فإن الواقع السياسي والاستراتيجي سيكون في بدايات العام 2024 متعلق بإرادات الدول الكبرى، وتفاعلاتها الرئيسية في المواقف العربية في غزة ورام الله وليبيا والسودان والخليج العربي، وفي اتجاهات الجنوب، وكذلك النطاقات الاستراتيجية المؤثرة، والتي تعمل وفق حسابات متعددة ومتداخلة للدول، والأطراف المعنية مما قد يؤدي إلى مزيد من السيناريوهات، والمشاهد المتعددة والتي تتطلب إعادة ترتيب الحسابات، والأولويات العربية بصرف النظر عن استمرار المشكلات والأزمات العربية على حالها..
يقيناً فإن الإقليم الشرق أوسطي سيواجه تحديات حقيقية، ومواقف متباينة وصراعات وتوترات ينبغي العمل عليها بصورة مرحلية، وعبر استراتيجية تدريجية حيث لا توجد حلول أو خيارات جاهزة، وإنما العمل على جزئيات، وأنصاف الخيارات التي قد تؤدي إلى تسكين المواقف، وعدم حلها كما يجري في أغلب الأزمات العربية والشرق أوسطية الراهنة. 

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية